تحتل بنغلاديش موقعاً مفتاحيا في سياسة الجوار الهندية، نظراً للروابط التاريخية، واللغوية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية العميقة بين البلدين
استمرار المسار الصاعد في العلاقات الثنائية بين الهند وبنغلاديش مع زيارة الرسمية لشيخة حسينة، رئيسة وزراء بنغلاديش، إلى الهند في 21-22 يونيو 2024. هذه الزيارة جاءت بعد أن عاد كلا الزعيمين حديثًا إلى السلطة بتكليفات جديدة وتعهدا بتوطيد العلاقة في شراكة 'تحويلية' خلال الخمس سنوات المقبلة.
وكانت هذه زيارة حسينة الثانية إلى الهند منذ توليها منصبها في دكا في كانون الثاني 2024. فقط قبل أسبوعين، حضرت حفل أداء اليمين الدستوري لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في 9 يونيو 2024.
يشدد أهمية بنغلاديش في سياستها الجوارية لاستفصاد الهند على الحقيقة أنه، بينما دعت أوراق جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي الزعماء لزيارة بلدانهم المختلفة، مددت الهند الدعوة لرئيسة وزراء بنغلاديش للزيارة كأول ضيف دولة بعد تشكيل حكومة مودي 3.0 في نيودلهي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارة كانت مغادرة للنمط الذي تم تثبيته في الفترتين السابقتين لمودي، حيث كانت زياراته الثنائية الأولى إلى نيبال في 2014 وجزر المالديف وسريلانكا في 2019.
يسلط هذا التحول الضوء على التركيز على سياسة 'الحي شامل' للهند مع التركيز على تعميق العلاقات مع بنغلاديش.
السياق التاريخي للعلاقة الثنائية
تحتل بنغلاديش موقعًا رئيسيًا في سياسة الجوار للهند، نظرًا للصلات التاريخية واللغوية والثقافية والسياسية والاقتصادية العميقة بين البلدين.
تحدث رئيس الوزراء مودي في مناسبة صدور بيانهما المشترك، قائلا: "تقع بنغلاديش في ملتقى سياستنا الأولى للجوار، وسياستنا شرق، ورؤية ساغار، ورؤية الهادئ الهندي."
وعبرا عن الأهمية المتبادلة للعلاقة، قالت حسينة "الهند هي جارتنا الرئيسية، وصديقنا الموثوق، وشريكنا الإقليمي. تقدر بنغلاديش كثيراً علاقاتنا مع الهند، التي وُلدت خلال حرب التحرير الخاصة بنا في عام 1971. أتوجه بالتحية إلى الأبطال الشجعان الذين سقطوا من الهند الذين قدموا حياتهم خلال حرب التحرير الخاصة بنا في عام 1971."
على مدى العقد الماضي، تعززت هذه الشراكة، ونضجت، وأثبتت أنها علاقة ثنائية يمكن الاعتماد عليها، وبالتالي تكون نموذجاً للعلاقات الثنائية الأخرى في المنطقة.
بنغلاديش هي أكبر شريك تنموي للهند، حيث تلقت أربعة خطوط ائتمان (LoCs) من الهند خلال الثماني سنوات الماضية، وصلت إلى حوالي 8 مليارات دولار أمريكي. بالإضافة إلى LoCs، تقدم الهند مساعدات منحة لبنغلاديش لمختلف مشاريع البنية التحتية.
اقتصاديا، الهند هي ثاني أكبر شريك تجاري لبنغلاديش، مع حجم تجارة سنوي يزيد عن 15 مليار دولار أمريكي.
الهند هي أيضا أكبر مستثمر في قطاع الطاقة والكهرباء في بنغلاديش. إضافيا، بعد نيبال، أصبحت بنغلاديش الدولة الثانية من دول سارك التي تتصل بها خطوط الأنابيب النفطية من الهند.
أهمية الزيارة
كانت الزيارة ذات قيمة استراتيجية هائلة، خاصة وأن القوى الخارجية الإقليمية، وبشكل خاص الصين، قد حاولت الوصول إلى نطاق نفوذ الهند. أيدت الزيارة ثلاث رسائل قوية.
أولاً، أكدت على الدور المركزي للهند في الجغرافيا السياسية لجنوب آسيا، نظراً لمزاياها الجغرافية والثقافية في المنطقة. ويتضح ذلك في القاعدة المعتادة للحكومات الجديدة في المنطقة التي غالباً ما تقوم بزيارتها الرسمية الأولى إلى الخارج إلى الهند والعكس صحيح. سياسيًا، الهند هي الشريك المفضل لجيرانها.
ثانيا، كان توقيت الزيارة، بعد أقل من شهر من الزيارة المقررة لحسينة إلى الصين، مهمًا. تهدف الصين إلى الانتهاء من مشروع مياه الحفاظ على نهر تيستا.
بينما أتمت الصين مسحها الجسدي للمشروع، أعربت الهند عن استعدادها لإجراء دراسة أخرى بشأن تنفيذ مشروع تيستا. تمت مناقشة هذه القضية أثناء زيارة حسينة إلى الهند، حيث يفترض أن لدى الهند تحفظات بشأن مشاركة الصين في المشاريع الكبرى على نهر تيستا.
في مقابلة بعد زيارتها، قالت حسينة "لدى بنغلاديش مشكلة طويلة الأمد حول تقاسم مياه نهر تيستا مع الهند. لذا، سيكون من السهل على بنغلاديش إذا قامت الهند بمشروع تيستا. في هذه الحالة، لن نحتاج إلى الحديث عن تقاسم مياه تيستا دائمًا."
ثالثاً، أكدت الزيارة الروابط السياسية والاستراتيجية القوية بين الهند وبنغلاديش، مما يدل على أن العلاقة الثنائية تظل أولوية بالنسبة لكلا الأمة رغم التأثيرات الخارجية.
نتائج الزيارة
كانت الزيارة منتجة للغاية وأدت إلى حالة رابح-رابح لكلا البلدين، وتميزت بتوقيع 10 اتفاقيات مذكرة و13 إعلانا تغطي مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالاتصالات والاقتصاد والطاقة وإدارة الكوارث والتعاون الدفاع.
لأول مرة، أصدر البلدان الاثنان بيان رؤية بدلاً من بيان مشترك روتيني. عبّر الزعيمان بشكل مشترك عن رؤيتهما المشتركة للسلام والازدهار والتنمية للجيران والمنطقة بأكملها، والتي تدفعها الاتصالات والتجارة والتعاون.
مع رؤية لمتابعة شراكة تحويلية، التزمت كلا البلدين بتعزيز الاتصالات الجسدية، وتغطي وسائل النقل المتعددة الأطراف والبنية التحتية للتجارة والمرور عبر الحدود لتيسير حركة الأشخاص والبضائع والخدمات.
وهذا يشمل الاتصال بالطاقة والرقمي. في هذا السياق، يُنظر إلى اتفاقية BBIN للسيارات كأصل فعال في تسريع النمو الإقليمي. ولأول مرة، تم ذكر التجارة الطاقية داخل المنطقة في البيان الرؤوي.
إضافة إلى ذلك، رأى كلا القائدين الدور المحوري للتكنولوجيا الناشئة في تحقيق فوائد أكبر لشعب البلدين. واتفقا على الشراكات من خلال "الرؤية المشتركة لشراكة الهند-بنغلاديش الرقمية" و"رؤية مشتركة لشراكة الهند-بنغلاديش الخضراء لمستقبل مستدام"، بما يتوافق مع "Viksit Bharat 2047" للهند و"رؤية بنغلاديش الذكية 2041".
مع التأكيد على الدور الهام للبلدين في ضمان السلام والاستقرار والانسجام في المنطقة، أعطت الزيارة دفعة كبيرة لتحديث القوات المسلحة في بنغلاديش والتعاون الصناعي الدفاعي لتعزيز قدراتهم الدفاعية.
علاوة على ذلك، أعلنت بنغلاديش عن مشاركتها في مبادرة المحيطات الهادئ الهندية كشريك تعاوني للهند، بهدف تحقيق السلام والاستقرار والأمن في المنطقة. وأعادت البلدين التأكيد على التزامهما بمنطقة الهادئ الهندية مجانية ومفتوحة وشاملة وآمنة وتتبع قواعد محددة.
ومنذ أن كانت قضايا التأشيرة تعتبر مصدر إزعاج كبير في العلاقة الثنائية ووسيلة حاسمة للاتصال بين الشعوب، أعلنت الهند عن تمديد مرافق التأشيرة الطبية الإلكترونية للبنغاليين الذين يسافرون إلى الهند للعلاج الطبي.
أعلنت الهند أيضاً عن افتتاح مكتب المفوضية العالية المساعد الجديد في رانجبور لتسهيل الخدمات القنصلية وخدمات التأشيرات للناس في المنطقة الشمالية الغربية من بنغلاديش.
الخاتمة
كانت الزيارة مزيجاً من الالتزامات بالشراكات المستقبلية ورسالة واضحة إلى البلدان الأخرى أن الهند وبنغلاديش تعطيا بعضهما الأولوية فيما يتعلق بالتنمية والأمن والقضايا الإقليمية.
من وجهة نظر الهند، هدفت الزيارة إلى معالجة تطلعات بنغلاديش التنموية مع تحديد نفوذ القوى الخارجية الإقليمية التي يمكن أن تخلق سوء فهم في العلاقات الثنائية. في الوقت نفسه، أظهرت بنغلاديش الاعتبار لحساسيات الهند الاستراتيجية من خلال التعامل بحذر مع البلدان الأخرى في مساعدة التنمية.
الاعتراف المستمر بتحسسات كلا البلدين هو أمر حاسم لمستقبل العلاقة الثنائية. أكدت هذه الزيارة التزام الطرفين المتبادل بتعزيز الروابط والعمل معًا من أجل الازدهار المشترك والاستقرار الإقليمي.
***الكاتب هو زميل البحث في MP-IDSA؛ الآراء المعبّر عنها في هذا المقال هي شخصية